الحديث المُشكل: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب" وانعكاسات مدلوله الفقهي على الصراع الديني والتعايش السلمي

موقف الإسلام في التعامل مع المخالف في الدين من أبجديات قضايا الفكر الإسلامي، فمن مبادئ تعامل المسلم مع غيره الاعتراف بوجوده، وحرية التدين، وأنه لا يملك سلطة إكراهه على الدخول في الإسلام، وأن البر والقسط هو دستور التعامل مع غير المسلم عموما، بل إن الإسلام أجاز زواج المسلم من أهل الكتاب بنص واضح. رغم وضوح هذه القيم والمبادئ الإسلامية وغيرها المعززة للتعايش السلمي وبناء السلام إلا أنه نجد في المقابل نصوصًا وآثارا تدخل في مصطلح: "مشكل الحديث" مثل حديث: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب". حيث تبنى قوم من المسلمين حرفية معنى هذا الحديث وغيره من الأحاديث المتشابهة والمشكلة، وانتهى الأمر بهم إلى ما يهدم مبادئ تعامل المسلم مع غير المسلم. وترتب على ذلك التطرف وخلق صراعات ونبذ ما يعين على بناء السلم وخلق ثقافة التعددية والتعايش السلمي. يهدف هذا البحث إلى دراسة حديث مشكلٍ في باب موقف الإسلام من الآخر مما قد يوحي ظاهره إلى عدم جواز تعامل المسلم مع غير المسلم إلا بالحرب والعنف، وتتبع أقوال أهل العلم في شرح الحديث. وسيسلك البحث المنهج الاستقرائي والتحليلي، بتتبع روايات الحديث من الكتب الستة ودراستها دراسة حديثية وتنزيلها على موقف الإسلام من الآخر. ومن أهم نتائج البحث أن الحديث ليس من قطعيات الدلالة، وعليه تنوعت مواقف العلماء في شرحها، وأن العمل بأقوال بعض العلماء فيه يهدم الأصول الكلية التي لا خلاف عليها، ناهيك على أن عصر العولمة وانفتاح العالم على بعضه، وشيوع مبادئ التنوع الثقافي والتعددية وقبول الآخر وحرية التدين يجعل من المرجحات العمل بقول جمهور العلماء في نفي ظاهر دلالة هذا الحديث المشكل والعمل بأن الأصل هو البر والقسط في التعامل مع الآخر ما لم يعتدِ ويحاربنا.