علاقة المسلم بغيره بين الحرب والسلم في سورة الممتحنة

النظرة التكاملية للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة من المبادئ الأساسية التي أقرها علماء الإسلام منهجا علميا في سبيل الحصول على الحكم الشرعي، فتُجمع النصوص الواردة في مسألة ما، ويحكم بها. وفي حال وجود ما قد يوهم التعارض بين النصوص فإن المنهج العلمي الإسلامي يرسم طرقا للتعامل مع هذه النصوص؛ إما جمعا ما أمكن، وإما ترجيحا وفق أدلة وسياقات أخرى. يضاف إلى هذا أن مسألة موقف الإسلام من الآخر رغم وضوحه وكونه من أبجديات الإسلام إلا أنه يتجدد السجال فيه أحيانا بين مرجح لآيات السلم ومرجح لآيات الحرب. وقد يذهب الأمر أكثر من ذلك فيوصف المجموعة الأولى المجموعة الثانية بالتشدد والإرهاب وعدم المواكبة، وتصفها هي بالتساهل ومراضاة الخصوم وغير ذلك. يدرك المُــطلع أن سورة الممتحنة من أهم سور القرآن الكريم التي تبين علاقة المسلم مع غيره، وأنها نزلت في سياقات متعلقة بالحرب وبحسن معاملة الكافر، وأنها من مقدمات فتح مكة، وأحداث ما بعد صلح الحديبية، والتوجيه الإلهي في معاملة المسلم قريبه غير المسلم الذي قصده - بعد الهجرة- وسافر من مكة إلى يثرب لأجل رؤيته وصلته وهما على دينين مختلفين، ناهيك أن من خصائصها أنها جمعت بين آيات السلم والحرب على خلاف أكثر السور، التي تجد فيها إما آيات السلم فقط، وإما آيات الحرب فقط. لذا، تسعى هذه الدراسة إلى تتبع أحكام الحرب والسلم في السورة بأسلوب مبسط يصلح لكل المستويات. وسيتبع الباحث المنهج الاستقرائي في استخراج هذه الآيات، والمنهج التحليلي في دراستها وربطها ببعض وفق موقف المفسرين والعلماء. ومن أهم نتائج البحث أول الآية وآخر الآية في السورة تنهى عن موالاة الكافر، والآية الثامنة تحص على حسن معاملة الكافر. نزلت الآية الأولى في سياق خيانة الأمة وإظهار الولاء للكافر على حساب الأمة، بينما نزلت الآية الثامنة في الحث على حسن التعامل مع غير المسلم، وأن الكفر بنفسه ليس موجبا ببعداء بالضرورة ما لم يتضمن الكفر عداء ومحاربة للإسلام والمسلمين. بين المفسرون أنه يجب على المسلم البراء من الكافر المحارب المعادي للإسلام ولله ورسوله والمسلمين، وفي الوقت نفسه بينوا أن القرآن يحث المسلم على معاملة غير المسلم بالبر والقسط؛ إلا المعادي والمحارب منهم. وبينوا أن ضابط العداء هو الحرابة والعدوان لا مجرد الكفر. تطرق بعض المفسرين وبعض كتب الناسخ والمنسوخ إلى مسألة هل هذه الآيات تنسخ بعضها البعض، والذي يرجحه الباحث نتيجة البحث هو أنها لا تنسخ بعضها البعض إنما يعمل كل في سياقه الخاص به، حيث يمكن العمل بالحكمين، كل في سياقه الذي يخصه.